ثقافة الهزيمة
عندما كانت ألمانيا في أوج قوتها أثناء الحرب العالمية الثانية خطب هتلر في الألمان قائلا:"سأسلم الأرض إلى الله فارغة كما خلقها فارغة" ولعل الألمان كانوا في تلك اللحظة منتشين من الانتصارات المتلاحقة لهم ولم يكونوا يتوقعون بأنهم سوف يسقطون من أعلى القمة إلى قعر الهاوية وحدث هذا فعلا عندما هزمت ألمانيا هزيمة نكراء ودخلت جيوش الحلفاء الأرض الألمانية فأصاب الألمان حالة من الذهول اللامعقول فبعد أن كانت أقوى دول العالم تحسب لهم ألف حساب وتخشى حتى من لفظ اسم ألمانيا حتى صارت مدنها تسكنها الأشباح وصار سكانها مشردين في العراء ولعل اكبر الأضرار التي أصابتهم هو تلك الحالة النفسية المتدهورة فليس هناك أقسى من أن تكون ثرى تدوسك الأقدام بعد أن كنت ثريا لا يملك من هم دونك إلا لوي رقابهم للنظر إليك. هل استسلم الألمان بعد كل الذي لحق بهم هل قنعوا بالهزيمة هل أخذت نساءهم في العويل وأطفالهم في البكاء؟؟؟؟؟ لا لكنهم بدؤوا في البناء على الرغم من تناقص أعداد الرجال الذين قضوا في الحروب أخذت النساء تساعدن في إعادة الدولة الألمانية لتقف على رجليها من جديد فرفعن الطوب على الرؤوس وداوين الجرحى حتى الأطفال ساعدوا في تقديم الطعام للعمال حتى قامت ألمانيا من جديد وتصبح اليوم واحدة من الدول العظمى وواحدة من التكتلات الاقتصادية الهامة ولو أن الألمان قنعوا بالهزيمة لظلت كوابيسها تلاحقهم ولما وصلوا إلى وصلوا إليه اليوم. ولا أجد قولا أدل ولا أقوى من أن أقول بأن الألمان قد رقصوا رقصة النصر على أنغام الهزيمة.
إن أهم ما يستفاد من التجربة الألمانية هو قوة تأثير التفكير الايجابي على الفرد والجماعة فقد قال الفيلسوف ماركوس اوريليوس الذي كان حاكما للإمبراطورية الرومانية "إن حياتنا من صنع أفكارنا" فالأفكار الايجابية تجعلك شخصا ايجابيا والأفكار السلبية تولد شخصا سلبيا فإذا سيطرت عليك أفكار السعادة بدوت سعيدا وإذا سيطرت عليك أفكار الحزن صرت بلا شك حزينا وهكذا!! والعجيب أن بعض الخبراء قد اجروا تجربة عملية على ثلاثة أشخاص قاسوا خلالها تأثير الاتجاه الذهني على قوتهم العضلية فوجدوا بعد أن تم تنويمهم مغناطيسيا وإيحاءهم بالقوة فإن قوتهم العضلية تزداد بالفعل والعكس صحيح فلماذا إذا لا نجرب هذا المبدأ في حياتنا اليومية؟؟
ثقافة الهزيمة التي تسيطر علينا هذه الأيام كأمة وكمجتمع هي السبب الرئيسي في ما وصلنا إليه من تخلف علمي وتأخر صناعي وقد اخبرني احدهم بأنه قد انصرف عن مهنة التدريس إلى مهنة أخرى وعندما سألته عن السبب قال: " بأنه قد فقد الأمل في الطلاب وانه لا مجال ليتطورا وصار مهموما لما وصل إليه مستوى التعليم والطلاب".. لقد كانت إجابته مليئة باليأس والانهزامية فسألته لماذا لم تحاول تطويرهم في محيط عملك على الأقل فشيء أفضل من لا شيء وكما قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: " لا تستحي من إعطاء القليل فالحرمان اقل منه". فأجابني متلعثما : "حاولت وفشلت" نعم لقد حاول ولكنه كأنه ما حاول فمحاولته كانت يائسة من البداية كمن يتشبث بالهواء خوف الغرق ولو انه سمع عن المخترع الكبير توماس إديسون في إحدى تجاربه التي فشل فيها مائة مرة وهو يعيد المحاولة وعندما ضاق به مساعدوه ذرعا صاحوا فيه : " لا فائدة فقد فشلنا أكثر من مئة مرة وأنت تعيدها فما الفائدة مما فعلناه؟ فأجابهم وملؤه الأمل : "لقد اكتشفنا مئة طريقة تقود إلى الفشل وسنتجنبها مستقبلا !! " قد لا أكون موهوبا نفسيا ولكن بعض التصرفات والمشاعر الإنسانية هي التي تحدد مصير فرد وربما امة بكاملها فبعض المجتمعات نجد أفرادها عندهم من الصفات ما تأهلهم ليكونوا عظماء وموهوبين في مجال وتجد امة أخرى متصفة بصفة تأثر عليها وتجعلها امة مقاتلة. مثلا جنكيز خان والمغول عامة كانوا مصابين بجنون العظمة في عصر من العصور وهو حب السيطرة والعظمة بأي طريقة فخرجوا من بلادهم ليغزوا العالم من حولهم واحتلوا في ذلك الوقت ما يعادل نصف مساحة العالم ومثلما خمد هذا الشعور عندهم فإن المشاعر الإنسانية والصفات يمكنها أن تظهر في امة بكاملها وتأثر فيها وتختفي فإن هذا يبشر بأننا يمكن أن تعود لنا تلك الصفات التي كانت في أسلافنا كالتقوى والعدل والثقة بالله والذين حكموا العالم من خلالها ثم اختفت أو قلت عندنا.
لا يكفي لأن تعمل أن تكون عالما بما تعمل ما لم تكن تريد أن تعمل فعلى الرغم من معرفتنا لأسباب هزيمتنا ومعرفتنا في الوقت نفسه لعوامل نجاحنا إلا أننا لم نأخذ بعوامل النجاح وجعلنا واقعنا المؤقت واقعا أبديا. وقد سأل احد المسلمين رجلا يهوديا: مالنا وقد وعدنا بالنصر ووعدتم بالهزيمة وكأنكم وعدتم بالنصر ووعدنا نحن بالهزيمة؟ فأجابه اليهودي: لقد وعدتم بالنصر فعملتم للهزيمة ووعدنا نحن بالهزيمة فعملنا للنصر ولا تزالون مهزومين ونحن منتصرين ما لم تعملوا غير ذلك...نعم لأن أعظم البشر عليه الصلاة السلام عندما بدا دعوته كانت أعظم صفة يتحلى بها هي إيمانه الراسخ بأن الله سينصره لا محالة وكان عليه الصلاة والسلام يزرع الأمل في قلوب أصحابه فكانوا نعم الصحابة لخير البشر كانت قلوبهم متفائلة بأن النصر قادم لا محالة فكانت قلوبهم تحض أجسادهم على العمل من اجل جعل ما بشروا به واقعا يعيشونه ففتحوا الشرق والغرب وصاروا سادة العالم في وقت كان غيرهم يعيشون في عصور مليئة بالظلم والجهل والفقر. فإذا أردنا أن نكون منتصرين في أي مجال يجب علينا نبذ ثقافة الهزيمة من عقولنا لنعمل بأمل وثقة بالنصر لأن الشك بالنصر هو الهزيمة فهل يا ترى سنرقص رقصة النصر ولو كانت على أنغام الهزيمة؟؟؟
__________________
.
منقول والمقال للطالب : سعيد ناصر حمود البحري
من كلية العلوم التطبيقية بصحار